إنه ذلك السارق اللص الذي لطالما أخذ منا أوقاتنا وأيامنا وخدعنا بخداعاته المتتالية , وكم كنا نحن أغبياء ومغفلين ساعة أن اتبعناه ونفذنا مراداته حتى داهمتنا السنون وأفزعنا منظر الشيب بين المفارق ..
إنه التأجيل والتسويف , ذلك اللص الخبير المدرب الذي لا تستعصي عليه نفس ولا تقف أمامه جدر إلا القليل النادر من الحكماء والعالمين ..
التأجيل لص الوقت , يسرقه منا بمقولة : ( غدا أفعل .. وغدا أنجز .. وقريبا أؤدي ..)! حتى تتسرب من بين أيدينا أعمارنا وننظر إلى أنفسنا فنجدها لا تزال تقول : غدا أفعل كذا وكذا !
والتسويف لص الآمال والأهداف ولص الفرص والتطلعات , فكم سرق منا فرصة سانحة بتسويفنا فيها , وكم سرق منا هدفا مرتجى بتأجيلنا له ..
الإسلام يعلمنا المبادرة والمسارعة بالأعمال الصالحات والمنجزات المقدورات وينبهنا دوما لاقتناص الفرص السانحة ..
يقول الله سبحانه : " فاستبقوا الخيرات " , ويقول سبحانه : " سارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين .." , ورغم أن المغفرة أمر بيد الله سبحانه وهو ليس في مقدور العبد إلا أنه أمرنا بالمسارعة إلى أسبابه بصورة فورية وكأن المسارعة في ذاتها دليل صدق نحو طلب الغفران .
إنه التأجيل والتسويف , ذلك اللص الخبير المدرب الذي لا تستعصي عليه نفس ولا تقف أمامه جدر إلا القليل النادر من الحكماء والعالمين
كما يحذرنا القرآن من التأجيل المهلك : " وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين , ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها والله خبير بما تعملون "
إنها صرخة الندم البالغ على التسويف والتأجيل في صالحات الأعمال وإنجازات الآمال الطيبات , إنها صرخة الفزع عندما تحين ساعة الوفاة فينظر أحدنا فلا يجد في جرابه إلا كلمة : ( سوف ) !
والله سبحانه يحثنا في كتابه على التخلص من ربقة التسويف والتأجيل والتراجع وإيهام النفس بالقدرة على الفعل غدا , ويعلمنا أن يومك الذي أنت فيه الآن هو يوم التوبة ويوم البدار ويوم الفعل ويوم الإيجابية , يقول سبحانه : " ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق .." ...
والنبي صلى الله عليه وسلم يعلمنا بتطبيقات عملية كم هي ضرورية تلك المسارعة بالأعمال والمبادرة بالفرص , فيروي البخاري عن أبي سروعة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى معهم العصر يوما ثم خرج مسرعا , فعجبنا من سرعته فعاد وقال : " كنت قد خلّفت في البيت تبرا – ذهبا - من الصدقة فكرهت أن أبيته" , " وأمرت بقسمته "
بل يحذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من التأجيل والتسويف خوفا من تغير الأزمان والأحوال وتكاثر الفتن , فيقول صلى الله عليه وسلم : " بادروا بالأعمال الصالحة , فستكون فتنا كقطع الليل المظلم .." رواه مسلم