"أبرهة البربر" يستبدل الفيل بالجرافة.. لكن لا طير أبابيل ولا حجارة من سجيل

"أبرهة البربر" يستبدل الفيل بالجرافة.. لكن لا طير أبابيل ولا حجارة من سجيل

الكعبة هذه المرة التي لم تجد ربا يحميها من جرافة "أبرهة البربر"، هي المسجد الذي تم تدميره وحرقه في قرية أغريب، أما التوصيف فهو لأعضاء لجنة المسجد الأصيلين أطلقوه على المجرمين "أعداء الملة والدين" لا ليقعوا في الغثيان كما فعل جون بول سارتر، ولكن ليوقفوا الفجيعة أو ليتمردوا كما فعل ألبير كامو.

إنها مأساة بيوت الله في جزائر العزة والكرامة، مأساة أحب أن أرويها لكم هذه المرة بطريقة مختلفة، من قرية أغريب في قلب بلاد القبائل، إلى موريتي ومنتجع نادي الصنوبر في قلب "إقامة الدولة".. إذ ما بين القلب والقلب هناك ما تدمع له.. العين.

الأمر في اعتقادي لا يحتاج إلى فذلكة لغوية للربط بين استمرار سريان "الأوامر المجهولة" بمنع بناء مسجد أو على الأقل مصلى في إقامة الدولة بنادي الصنوبر حتى يتمكن بعض الوزراء والسيناتورات والمسؤولين الكبار في الدولة من أداء الصلوات فيها، وبين "جرأة" "أبرهة البربر" على منع بناء مسجد في قرية أغريب عن طريق هدمه بجرافة البلدية وتحت مرأى ومسمع رئيس البلدية وبقيادة عضو في البرلمان.

في كلا الموقعين هناك "أياد خشنة" يرعبها صوت الآذان الناعم، من قلب القبائل إلى قلب "إقامة الدولة" يتطور الفعل المخل بالرجولة والإنسانية والدين الحق، يتطور إلى أن يصبح تورطا لمسؤولين كبار وإطارات عليا في جريمة منع بناء المساجد أو في هدمها وحرقها في الجزائر، فالوزراء الذين اضطروا لأداء صلاة التراويح في بيت غلام الله بدلا عن أدائها في بيت من بيوت الله، أعربوا عن عجزهم (رغم كونهم نظريا سلطة تنفيذية) لبناء مسجد في إقامة الدولة بدعوى أن كل طلباتهم لم تحظ بموافقة "الدولة"؟، أما "أبرهة البربر" الذي قاد الهجوم على مسجد أغريب فقد حظي بدعم "جرافة الدولة" ومباركة رئيس البلدية الذي يشتغل عند الدولة.

فما الذي جعل "الدولة" التي دينها الإسلام حسب الدستور، تخشى بناء المساجد إلى هذه الدرجة

في عام 1994 عندما كان الإرهاب الأعمى يحصد الأرواح بلا ذنب ولا جريرة، وجدتني رفقة أعداد كبيرة من الصحافيين داخل سكنات أمنية في موريتي وسيدي فرج، وحدث أن زارني أحد أقاربي وقد كان رحمه الله من كبار المجاهدين، فسألني عن المسجد لأداء الصلاة، وأذكر وقتها أن الأرض لو انشقت لكنت دخلت فيها خجلا وأنا أجيبه بأنه لا يوجد، فبادرني بسؤال مؤلم اختزل فيه كل أيام الجهاد التي قضاها من أجل "الله أكبر"، وقال كيف توجد شواطئ العري وبيوت اللهو والرقص ولا وجود لبيت الله في هذه البقعة؟ وقبل أن أجيبه كان قد رتب حقيبته وطفق راجعا إلى مدينته، هناك حيث بإمكانه أن يعبد الله قريبا من الله.

كان هذا المجاهد الذي مات وفي قلبه غصة، وفي صدره شيء من حتى، يقول دائما أنتم يا أهل العاصمة في العلالي ولذلك فإنكم أقرب إلى الله، ودعواتكم الأقرب للاستجابة (باعتبار أن الحكومة في العاصمة أيضا وتخدم المواطنين أحسن) لكن زيارته تلك غيرت كل قناعاته، فإذا كانت الحكومة قريبة فعلا، فإن الله بعيد عن القوم الغافلين.

وطبعا كان لا بد لتلك النوستالجيا الجهادية أن تنتقل إلي، فأصبحت أرى كل شيء في تلك البقعة بعيون ذاك المجاهد المفجوع في وطنه ووطنيته، فكان أكثر ما يثير استغرابي وأنا أتجول بين سكنات النواب والسناتورات والمسؤولين الكبار الآخرين، تلك الهوائيات المقعرة المثبتة على أسطح الفيلات الفخمة لأصحاب الحصافة والحصانة باتجاه فرنسا والأقمار الصناعية الفرنسية، بينما لا وجود لهوائيات مثبتة باتجاه الأقمار الصناعية العربية مطلقا.

لم يكن للجماعة علاقة بالشعب ولا بالأمة، فكيف بالعلاقة مع الله؟

وقبل أن أقرر حزم حقيبتي ومغادرة المكان كما فعل ذاك المجاهد، كنت أقرأ في كتاب فاستوقفني فيه مثال غربي يقول: "الفقراء لا وقت لديهم للصلاة فكل أوقاتهم لجمع الصدقة"، وضحكت لأني كنت أتمنى أن يكون هذا المثل الجميل بهذا الشكل: "الأغنياء لا وقت لديهم للصلاة فكل أوقاتهم للسرقة".

هل هناك علاقة بين محاولات "تطهير" إقامة الدولة من المساجد، بالمحاولات الجديدة ل"تطهير" منطقة القبائل من بيوت الله؟

بالعودة إلى ردود الفعل المخيّبة للسلطة ولما يسمى الطبقة السياسية عن جريمة تدمير مسجد أغريب، ربما أمكن لبعض المجتهدين إيجاد الشواهد على ذلك، لكني أفضل التذكير ببعض الحقائق التي ربما غابت عن البعض.

قبل عامين أو ثلاثة كانت هنالك تحذيرات جدية بدخول الكنيسة الأنجليكانية إلى الجزائر بشكل خطير، بل إن بصمات استخباراتية عديدة لكثير من الدول الغربية قد دخلت بدورها على الخط، ومع ذلك لم تولي وزارة الشؤون الدينية ومعها الأجهزة الأمنية الوطنية للموضوع الاهتمام اللازم على الرغم من أن القضية تمس مباشرة بوحدة العقيدة للشعب الجزائري، وتهدد بشكل خطير السيادة الوطنية!

وبعدها رأينا كيف احتوى تقرير الحريات الدينية الذي أنجزته الخارجية الأمريكية ولأول مرة رقم 500 ألف مسيحي في الجزائر، ومع ذلك سارع الكثيرون وقتها إلى التهوين من الأمر، بل إن هناك من اجتهد محاولا تصحيح تلك الأرقام المهولة بالقول أن القضية تتعلق بخمسة آلاف مسيحي في منطقة القبائل فقط، وأن الأمر لا يستدعي كل هذا الخوف.

بعدها تطور الأمر وفتحت القناة الثالثة الوطنية الناطقة بالفرنسية ميكروفونها للمتنصرين الجدد من بني جلدتنا ليرووا تجاربهم و"قناعاتهم" في كيفية اعتناق المسيحية الصهيونية تحديدا بأسلوب وطريقة تركت خلفها الكثير من علامات الاستفهام، قبل أن تزيد في الجرعة وتنقل قداس يوم الأحد على المباشر من إحدى الكنائس في الجزائر.

قبل ذلك وبعده، كانت صحف "أبرهة البربر"، قد أحدثت صخبا إعلاميا رهيبا مع اعتزام السلطات بناء ثالث أكبر مسجد في العالم من حيث استيعابه لأكثر من 120 ألف مصل، إلى أن تم تجميده لأسباب قيل عنها تقنية.. قبل أن تقيم هذه الصحف الدنيا ولم تقعدها بعد اعتقال المدعوة "حبيبة قويدر" بتهمة نشر المسيحية قبل أن تطلق سراحها تحت الضغط بدعوى الحكم عليها بستة أشهر حبسا غير نافذ.

كل تلك الأحداث كانت تمر لتؤشر على خطر داهم قادم، وها هي إرهاصاته تنفجر في أول أيام رمضان كما كان مخططا له في قلب بلاد القبائل.

ردود الفعل المخيّبة كما قلت لجريمة "أبرهة البربر" أظهرت إلى أي حد فقدت الطبقة السياسية مجرد القدرة على التنديد، أما سعيد سعدي فلا أعتقد أنه يمتلك القدرة على.. الخجل.

لقد سبق لنواب الأرسيدي في سابقة غريبة ومريبة رفض الوقوف مثل بقية زملائهم في المجلس الشعبي الوطني للتضامن مع إخوانهم المسلمين في غزة، ولم يخجلوا، وهاهم ينتقلون باعتراف اللجنة الدينية لمسجد أغريب لاستغلال الجهلة والمغرر بهم لإنتاج قساوسة وقديسين على حساب عباد الله الصالحين.

عندما اعتقلت "حبيبة قويدر" قالت الوزيرة الفرنسية لحقوق الإنسان إنه أمر "مثير للصدمة"، وتدخل الشيخ بوعمران شخصيا في القضية طالبا من المحكمة الرحمة والرأفة بينما لم يتحرك لا هو ولا غيره طلبا للرحمة والرأفة في حق مسلمين جريمتهم الوحيدة الدعوة لله الواحد الأحد؟!

لست أدري كيف بعد كل هذا يكتب السفير الفرنسي بالجزائر برنار باجولي في التقرير السري الذي نشرته أسبوعية "لوكانار أونشيني" يحذر فيه مما أسماه تصاعد نفوذ المتطرفين الإسلاميين في الأوساط الحاكمة في الجزائر، لست أدري كيف له أن يكتب تقريره السري ذاك وبيوت الله تحرق وتهدم تحت سمع ونظر تلك الأوساط الحاكمة العاجزة عن بناء مسجد واحد بالقرب من إقامتها؟ يبدو أن سعادة السفير كان "خابطها" وهو يكتب تقريره السري والخطير ذاك.

حسان زهار من جريدة الخبر الاسبوعي

و في الختاام تقبلوو تحياات

chafik.dz