الكتاب .. خير جليس كما قيل
وهو خير تذكرة سفر لعوالم تصنعها بنفسك وإن رسم طريقها الكتاب الذي بين يديك
ولأن احدى هواياتي الكثيرة المشتتة هي القراءة
ولأني اعشق السفر الى عوالم من خيال تتخللها الواقعية...
ولأني أريد أن احيي فيكم حب القراءة ورائحة الكتب الورقية ومدى الاستمتاع وأنت تطوي الكتاب بين يديك وتقلب اوراقه وتبحر فيه وتتعلم منه وتعيش فيه
ولتبادل وجهات النظر حول كتاب معين قد ارى فيه شيء ل تراه أنت وقد تكون زرت فيه مكانا لم ازره انا لوجود باب سري لم اهتدي له
ولتبادل كل الافكار ولنبحر ولنتعمق أكثر في عالم الكتب
كـــم أحبــك
الحلقة الثالثة:-
كان لا يريد أن يرفع نظره عنها .. ولا يريد أن تتلاشى أمامه حقيقة هذه الصدفة الرائعة لكنه لا يريد ايضًا أن يسبب لها الخوف أو الاضطراب منه لأنه يعرف غالية رقيقة جدًا بمشاعرها وبهذا تقدم ليدلها على الطريق وهو يطمئنها بأنها ستخرج من هذا المبنى.
ما أن قطعوا مسافة قصيرة في الممر الضيق المتصل بالحجرة حتى حدثت هزة قوية وسمعوا من بعيد أناس يصرخون وأحدهم يقول...
" والله لم أقصد هذا"
" أيها المجنون وماذا كنت تتوقع من مبنى قديم كهذا.. أخلو المكان حالاً هيا قبل أن ينهار"
وأثناء هذا الكلام كانت صخور صغيرة تتساقط على غالية وعزيز فقالت غالية وهي مرعوبة
" عزيز ما هذا"
لكنه لم ينطق بكلمة بل أمسك بمعصمها وجرها يحثها على الإسراع للخروج من هذا الممر.. كأن الممر صار طويلاً جدا وازدادت الانهيارات وتساقط جزء كبير من الجدار والسقف حتى أغلق بهذا المنفذ للخروج من هذا الدهليز فصارت غالية ترتجف وتبكي
" يا إلهي .. هل سنموت .. عزيز أرجوك احميني .. عزيز أرجوك.. "
فاستدار إليها ورآها منهارة وهو خائف عليها أكثر من خوفه على نفسه بعد أن أدرك الحقيقة المرة بأنهم علقوا هنا وقد تمر ساعات طويلة قبل أن تصل إليهم فرق الإنقاذ .. أحتضن كفيها بكفيه وجعلها تواجهه وهو يقول
" غالية .. حبيبتي أسمعيني"
" هل سنموت عزيز .. بعد أن رأيتك نموت .. ألم نتفق .. قل ألم نتفق .."
كانت لا تعرف ماذا تقول وهي تشعر إنها ستموت قبل أن تتزوج بعزيز بالأخص بعد أن شعرت أن حلمها صار قريباً جدا منها ..
" قلت اسمعيني"
فانهمرت دموعها وهي تسع رنة صوته تعلو عليها
" لا تقس عليّ هكذا.. أنا خائفة ، لا أحبك"
يا إلهي... اعتصر قلب عزيز وهو يرى دموعها فإنه لم يقصد إلا تهدئتها بحزم ونسي مشاعرها الغاية في الرقة فمسح بأصابعه دموعها ثم سحبها بسرعة وهو يقول
" يا عمري ... ما كنت قاسياً على أحد من قبل فكيف سأقسو على روحي؟؟ .. والله فقط أردت أن أهدئك فأنت متوترة جداً"
" قل ... لكني لا أحبك هل فهمت؟"
" والله أعرف"
قال هذا بابتسامة فهي دوماً تكذب عليه بهذا الشأن .. كم يهواها
"حياتي ... لن نموت بإذن الله .. ستأتي فرق الإنقاذ قريباً وإن تأخروا فأنا معك يا عمري ... هل تخافين لأنك ستبقين هنا لساعات معي ... هل تخافين مني غاليتي؟"
"لا"
" إذن ؟"
ابتسمت ابتسامة مرتعشة ونظرت إلى أكوام الأحجار ثم قالت له
" طيب .. ألا نعود للحجرة فالظلام حالك هنا"
" هيا"
.
.
" عزيز!!"
نادته وكأنها اكتشفت شيئاً
" عيون عزيز.. ماذا؟"
" هل تتذكر؟؟ هل تتذكر بالله .. إن الأمر يتحقق ... انه اختبار.. بل انه .. عزيز انه لإثبات كم أنا أثق بك .. أتذكر؟"
" عن ماذا تتكلمين يا غالية؟"
"أتذكر يوم أخبرتك بأني أثق بك لدرجة أني لو بقيت معك وحدي في مكان ما ولأيام فلن أخاف لأني أعلم أنك لن تفعل شيء يؤذيني أو يؤذي مشاعري أتذكر بالله .. ألم تفهم بعد"
" آه يا عمري .. ألا ترين أي أقدار تجمعنا معاً .. ألا ترين!!"
كانا يتكلمان بانفعال فقالت غالية وقد اتسعت شفتاها بضحكة رائعة
" إذن لن أخاف يا عزيز ... لن أخاف"
" كم أحبكِ يا عمري ... كم أهواكِ"
عادا وجلسا على المصطبة وبعد لحظات من الصمت هدأت غالية وحدثته عن ما حصل لها وكيف وصلت هنا وكم مرت بأيام صعبة وكيف أنها نست شأن عنوان البريد الأخير المرسل إليه حيث أنه سيعرف منه بالتأكيد أنها هنا إلا إنها ولشوقها لم تركز في هذه التفاصيل إلا في إخباره أنها معه قلبًا وروحًا...أخبرته أيضًا عن مرض حسن فقال يشاكسها
" سأقتل حسن"
" لِمَ بالله؟"
" لأنك ذهبت لزيارته كثيراً "
فضحكت غالية لأنه يخبرها دومًا أنه يحسد كل من يراها بينما هو محروم من رؤيتها
" بالله عزيز ما الذي أتى بك لبريطانيا؟"
" لن تصدقي"
" ماذا؟؟ هل أنت بخير"
" بكل خير والله ... ألست بخير وأنا قرب حبيبتي؟"
" جد عزيز قل.. ما الذي أتى بك هنا"
" يا عمري .. ألم تقولي لي دومًا أيها الأعمى كيف ستراني؟؟"
قالها وهو يبتسم فقالت له وهي تضحك
" نعم صحيح .. أين نظارتك؟؟ لا تقل لي انك تضع عدسات لاصقة.. درجة انحراف عينك لا تنفعها أي عدسة عدا عن تلك الكتلة الشحمية"
وغمزته بعينها فابتسم قائلًا
" لم أعد بحاجة لها"
" بالله قل عزيز.. أين نظارتك؟"
" غالية.. لقد أتيت هنا للعلاج"
فنظرت غالية إليه بقلق وهي تقول
" بالله للعلاج من ماذا؟؟ أنت بخير صح؟"
" بخير يا عمري بخير..لقد أصلحت عينيّ أجلك"
" عزيز .. والله كنت امزح معك .. بالله لِمَ قد عرّضت نفسك لعملية حساسة كهذه؟"
" لا تخشي علي حبيبتي ... إنها عملية بسيطة ولقد شفيت تماماً"
" هل تقصد .. هل تقصد إن هذا هو الأمر الذي جعلك تغيب عني هذه الأيام؟"
" نعم "
" ولم لم تخبرني؟"
" لأني اخاف أن تقتليني"
يشاكسها كالعادة فأبرزت قبضتها وهي تقول له
" اتمنى أن ألكمك على عينك الآن لتعود أعمى من جديد"
" كل هذا حب؟ ما أسعدني"
فضحكا معاً
انتظروا الحلقة القادمة ...
أكيد بقلم: حنين محمد حيال
كــم أحبك
الحلقة الرابعة:-
مرت ساعات وهما غارقين في الحديث حتى صارا يتكلمان في نفس الوقت بأعينهم وبألسنتهم ثم صمت عزيز وقال
" غالية ... نحن نسينا أنفسنا .. علينا أن ننبههم أن هناك أحياء محجوزين هنا كي يأتوا لإنقاذنا"
" هل سننجو عزيز .. بالله قل"
" بإذن الله يا غالية .. بإذن الله"
كان يخاف عليها أكثر من خوفه على نفسه لأنها هشة قد لا تحتمل ساعات الانتظار بهذا البرد الذي يزداد في المكان وبلا طعام ولا شراب، وهذا ما جعله يقطع أروع حديث مع أروع حبيبة...
أبقاها في مكانها جالسة بينما ذهب هو يحاول أن يتصل بمن وراء الحاجز لكنه لم يسمع أي صوت ويبدو أنهم لم يصلوا إلى هنا بعد أو ربما الأضرار واسعة بحيث نسوا أن هناك أضرار في هذه الدهاليز
ظل يصرخ بعلو صوته ويصرخ دون فائدة ثم عاد للحجرة محاولاً إيجاد شيء, أي شيء يستطيع به زحزحة هذه الحجارة فوجد عصا من الحديد في نهايتها عجينة من القير وهمّ بالعودة للممر الضيق إلا أنه رأى غالية وهي تجلس رافعة ركبتيها قرب رأسها وتضم نفسها كالجنين وتنظر إليه فقال هو بحنو بالغ
" غالية هل أنت خائفة"
فهزت رأسها بالنفي رغم إنه رأى نظرة الخوف في عينيها لكنه يعلم أنها غير خائفة منه بل خائفة من البقاء هنا لمدة طويلة فقال لها
" يا عمري سننجو وسترين"
فهزت رأسها موافقة وقد ترقرقت عينيها بالدموع، كم تمنى حينها أن يحتضنها لكن عليه العودة لمحاولة عمل فتحة صغيرة أو حتى ضجيج عالي كي يستدلون عليه وأيضا كان يريد أن يعطها فرصة للتعود عليه
ظل يطرق ويزيح من الحجارة لكن وكأن شيء لم يحصل، نفس أكوام الحجارة ولازالوا محتجزين هنا .. نظر نحو الحجارة وأعتصره قلبه لأن حبيبته هناك ترتجف خوفاً وبرداً قد تتعرض لخطر الجوع والعطش .. يا الهي كيف سيحميها؟؟
صار يضرب بقوة وهو يحاول افتعال ضجيج ويشتم ثم يقف بيأس متكأً على الجدار يدعو الله أن ينقذهم .. عاد للحجرة وقد رسم على شفتيه ابتسامة صغيرة كي يطمئن حبيبته فوجدها تنظر إليه بأمل رغم سماعها صراخه الذي كان بلا جدوى فقال لها
" كم الساعة ؟" نظرت إليه بتساؤل وأجابت
" العاشرة والنصف"
" إذن حبيبتي ألا تستريحين قليلاً؟؟ "
" أسترح؟"
" نعم يا عمري.. فقد لا يصلنا أحد حتى الصباح فلما لا تستريحين الآن"
" وأنت؟"
" أنا سأبقى أحميك يا عمري ... لعل ثعبان اشتم رائحتك الزكية فجاء ليلتهمك حباً"
نظرت للأسفل بسرعة وتطلعت نحو الغرفة وهي تقول
"بالله عزيز هل هناك ثعابين؟"
فانفجر ضاحكاً وهو يقول
" يا عمري إني أشاكسك"
فقالت بحنق وغضب
" والله لا أحبك يا أعمى"
فعاد يضحك بعمق وهو يقول
" لا لا لا يا حياتي.. ما عدت أعمى تذكري ذلك"
" لا أحبك وكفى"
" والله أعرف"
"طيب"
كانت تهم بوضع قدميها على الأرض كي تحاول أن تسترح قليلا على هذه المسطبة الصغيرة عندها قال لها عزيز
"غالية ... هل أنت جائعة"
فهزت رأسها بالنفي ثم قالت له
" هل أنت جائع ؟ لدي في معطفي فطائر بالجبن كنت اخزنها لرحلتي في السوق هههههه"
"لا يا عمري لست جائعاً فقط كنت أريد أن اطمئن أن هناك شيء تأكليه إن شعرت بالجوع"
"طيب"
أخرجت الفطائر من جيب معطفها وأعطتها له تخبره انه لو جاع فليأكلها فكذب قائلًا أنه قد أكل قبل أن يدخل المبنى كي يوفر لها الفطائر في حال تأخرت فرق الإنقاذ..رآها كأنها متقيدة تحاول الاضطجاع ثم تنظر إليه وتستدير ثم تعود لتستدير نحوه ثم تعود للجلوس وهكذا وهو يعرف لِمَ كل هذا فقال لها
" غالية"
" نعم"
" استرخي أرجوك ... لا تفكري بي... فلن أقترب منك "
" لكني لم اكن.."
" هيا نامي واستريحي وأنا سأبقى جالساً على الأرض هنا وقد أحاول أن أجد طريقة للخروج دون أن أزعجك.. اطمئني يا عمري لن أدع أي شيء يؤذيك "
"حاضر"
" ما اروعك"
" ما اروعك أنت يا عزيز"
نظر إليها وضوء الفانوس الخافت يجعلها تبدو كفتاة قد تجسدت من قصة أسطورية ألا وهي قصة حبهما فقال وهو ينهض يريد الهرب من هذه الحجرة كي يتماسك نفسه عن لمسها
" هيا نامي وإلا غيرت رأيي"
فهمت ما قصد فابتسمت وقالت
" حاضر حاضر ... والله سأغفو"
ما أن هم بالخروج حتى نادته بخوف
" عزيز!"
فعاد يتطلع إليها بسرعة وبقلق
" ماذا حياتي .. هل هناك شيء"
" لا تتركني أرجوك"
فابتسم وقال
" وأين سأذهب بالله؟"
" لا أعرف ... فقط لا تذهب"
" حاضر يا غالية.. أنا بقربك.. نامي مطمئنة"
" حسناً"
انتظروا الحلقة القادمة
بقلم: حنين محمد حيال